الجمعة، 29 مارس 2013

●|[ لوحات نبوية .. قصص من سيرة خير البرية صلى الله عليه وسلم ]|●






بسم الله الرح'ـمن الرح'ـيم

الح'ـمد لله رب العآإلمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد

وعلى آله وأصحآبه الكرآم أجمعين ومن تبعهم بإحسآن إلى يوم الدين ..

موضوعنا اليوم عن مقتطفات من كتاب اعجبني جدا بمحتواه الرائع و اسلوبه المميز

حيث احتوى على عدد قصص من سيرة افضل الخلق نبينا محمد صلوات الله عليه ..

كتاب قصص نبوية للشيخ عبدالوهاب الطريري ,,

أحببت ان اشاركم بهذا الموضوع المتواضع
.. اتمنى ان ينال اعجابكم ..






انطفأت أنوار الرسالات، وتراكمت الظلمات، وأطبقت على الأرض جهالات الظلم والوثنية

وأصبحت البشرية على حال تستوجب مَقْت الله، فقد نظر الله إلى أهل الأرض فمَقَتهم عربهم

وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. وكان هناك في حاشية من الأرض بَشر من البشر، يخرج من

البلدة، تسرب به الشعاب، وتحفُّه الجبال، قاصدًا جبلاً منها اختاره من بينها. وعندما تنظر إلى هذا

الجبل تشعر كأنما خلقه الله لهذا الرجل، ولهذا الحدث فالجبال من حوله تضطجع باسترخاء إلا

هو فإن قِمَّته تتطاول كأنما تنظر إلى شيء بعيد. الصعود إلى هذه القمة شاق والطريق وَعْر،

وهو هناك في غاره في قمة الجبل، إذا جلس امتد طرفه في الأفق البعيد؛ ليرى تِلقاء وجهه بيت

الله الذي بناه أبوه إبراهيم عليه السلام. وكأنما هو في هذا العلو يتعالى على ما في الأرض من

أرجاس الوثنية وظلمها، ويسرح بصره من علو في آفاق الكون الرحيب، ويشرف على الأثر الباقي

من رسالات الله إلى أهل الأرض. إن هذا المكان في عُلوِّه الشاهق ومنظره المهيب وموقعه

المميز هو المكان اللائق لسَبْح الفكر العميق والتفكر في خلق السموات والأرض، والتوجُّه إلى الله

بعد امتلاء النظر والفكر من رؤية عظمة ملكوته {ربَنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ}.



وفي ليلة ساجية، والكون في سكونه، وهو في تَفَكُّره وتَعَبُّده يحضنه غاره في أعلى ذروة في

الجبل، إذ قطع عليه سكونه وفكره نزول المَلَك، وفَجِئَه الحق من ربه. ويالله لرسول الله صلى الله

عليه وآله وسلموهو في الغار وكل ما حوله سكينة وسكون، لا يسمع فيه نَأْمَة ولا يحس أحدًا،

فليس هو على طريق سالك أو حول مكان آهل ثم يقطع عليه سكون الليل فُجاءة الحق له،

وتَنَزُّل المَلَك عليه على غير توقع ولا انتظار، فما كان ينتظر رسالة يُرسَل بها، ولا وحيًا يُوحَى إليه،

ولا كتابًا يُبَشر به {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِ رَحْمَةً مِّنْ رَبِّكَ}. أيُّ فزعٍ يمكن أن يستولى

على النفس حينها مهما كانت ثَباتًا ورباطة جَأْش،لقد كان مجيء المَلَك مُفاجأة، ولكن خطابه

وطلبه كان مفاجأة أخرى: ((اقرأ))، يخاطب بها مَنْ لم يقرأ يومًا مكتوبًا ولم يكتب مقروءًا

{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وِلا تَخطّه بِيَمِينِك}. ولذلك أجاب بالجواب الذي لا يمكن أن يجيب

بغيره: ((ما أنا بقارئ)). أي ما أنا بالذي يقرأ، فأخذه الملك فضمَّه ض شديدًا بلغ به غاية ما يحتمله،

وجَهَد به جَهْدًا شديدًا ثم أطلقه، وأعاد عليه الأمر مرة أخرى: ((اقرأ))، فأجاب بذات الجواب:

((ما أنا بقارئ)). وما أُحْسِن القراءة، فأخذه فضمَّه مرة أخرى ض شديدًا حتى بلغ به الجهد والإعياء

مَبْلَغَه ثم أطلقه، وأعاد عليه المرة الثالثة قائلاً : ((اقرأ)). فأجاب بالجواب ذاته، فقد كان صادقًا عندما

قاله أول مرة ولم يتغير شيء من حاله: ((ما أنا بقارئ))). فأخذه المَلَك فضمَّه الضمة الثالثة

ثم أطلقه وقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ ا نْإلِْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ ا كْألَْرَمُ *

الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ ا نْإلِْسَانَ مَا يَعْلَمْ}.



فاجتمعت الآيات قرآنها ومعناها في قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعاد بها

مسارعًا إلى بيته، فَزِعًا يرجف فؤاده وتَرْعد بوادره، حتى دخل على زوجه خديجة، وهو يقول:

((زَمِّلوني زمِّلوني)). فقد كان بحاجة إلى الراحة بعد الجَهْد، والسكينة بعد الفزع، فلما استراح بعد

إعياء، واطمأنَّ بعد خوف، وذهب عنه الرَّوْع، حدَّث زوجه خديجة وأخبرها خبره وما رأى وما سمع

ووعى، فهي المرأة المُحبَّة العاقلة الرشيدة التي يَثِق بحبها ونُصْحها وصحة عقلها، وبث إليها

مشاعر نفسه وهو يقول: لقد خشيت على نفسي. فبادرت خديجة بجواب قاطع ساطع، موثق

مؤكد، تقسم عليه ولا تستثني، كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا. ولتكاد تسمع الكون كله بملائكته

وأفلاكه وعظيم مخلوقاته يردد مع خديجة، ويحاول أن يُسمِع محمدًا ما أسمعته زوجه: كلا والله

ما أنزل إليك، وأرسلك وأرسل إليك، واختارك من بين كل هذه البشرية السادرة الحائرة ليخزيك

أو يحزُنك، ولكن ليُكرمك ويُكرِم بك، ويَرْفعك ويرفع بك، ويُشَّرفك ويُشَّرف بك، ويشرح صدرك،

ويرفع ذكرك، فلا تخشَ على نفسك. كلا والله لا يخزيك الله أبدًا.





تفتَّح وعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أقرب الناس إليه، فهو الأخ الشقيق لأبيه

عبد الله وهو الذي كَفَله بعد وفاة جدِّه عبد المطلب فحلّت الأبوة محل العمومة حتى صار

النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُدعى يتيم أبي طالب. وكان الحب مُتبادَ بينهما فكان

أبو طالب من شدَّة تَعلُّقِه به إذا سافر سافر به معه، حتى إنه عندما سافر لتجارته في الشام،

أخذه معه وهو في التاسعة من عمره، وهي سنٌّ لا تؤهل للتجارة ولا لأعباء الطريق الشاقة،

ولكنه تعلق أبي طالب بابنه ابن أخيه، وتعلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعمه صنو أبيه،

وعَبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراحل عمره المبارك الميمون وأبو طالب أقرب ذوي قرباه،

حتى إذا تحمل أعباء الرسالة وواجه تبعات البلاغ. كان من أبي طالب ما عُرف واشتُهر من نصرته

وحمايته والذَّبِّ عنه، ثم تحمّل المنابذة من قريش والحصار والتضييق من غير أن تلين له قناة

أو تضعف عزيمة، وكان حاسماً في الحماية مستبسلاً في النصرة.



ومرّت عشر سنوات من عمر الرسالة، وخمسون سنة من العمر المحمدي وخمس وثمانون

سنة من عمر أبي طالب، وإذا بأبي طالب يرقدُ على سرير الموت فيحضره رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم وعند أبي طالب أخواله من بني مخزوم، أبو جهل بن هشام، وعبد الله بن

أبي أمية، والمسيب بن حزن، ويسارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللحظات الأخيرة من

حياة أبي طالب يناشده الكلمة التي طالما عرضها عليه وتطلبها منه، يقول له: بشفقة الولد

للوالد:((يا عم، إنك أعظم الناس علي حقًّا، وأحسنهم عندي يدًا، فقل كلمة تحل لي بها الشفاعة

فيك يوم القيامة، يا عم. قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)).ولكن أبا جهل يسارع إلى

تطويق أبي طالب بحصار عاطفي يشده إلى دين أبيه قائلاً :أترغب عن ملة عبد المطلب؟

ويسابق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنفاس أبي طالب مكرّرًا ذات الطلب من غير أن ينشغل

بالرد على أبي جهل أو مناقشته مقبلاً على عمه: ((يا عم قل لا إله إلا الله. كلمة أشهد لك بها

عند الله)). ويعيد أبو جهل ذات النداء والتذكير بدين عبد المطلب. ويكرر النبي صلى الله عليه وآله

وسلم ما بدأ، ويناشد عمه في هذه اللحظة الحرجة كأشد ما تكون المناشدة، ويحسُّ أبو طالب

صدق اللهجة وحرارة العاطفة في نداء ابن أخيه. فيُقبل عليه قائلاً : يا بن أخي لو لا أن تعيرني

قريش يقولون ما حمله على ذلك إلا جزع الموت لأقررت بها عينك. ثم كان آخر ما تكلّم به قبل

أن تفرط آخر أنفاسه:أنا على ملة الأشياخ. أنا على ملّة عبد المطلب، وأبى أن

يقول: لا إله إلا الله. ومات أبو طالب.



وغادر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حزينًا أسفًا أن عمه الذي أحبه ونصره لم ينعم بالهداية

التي بُعث بها ودعى إليها. وقال وكأنه لازال يخاطب عمه وكأن عمه لا زال يسمعه:

((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)). فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشِركينَ

وَلَوْ كَانُوا أُولي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَين لُْهم أَ نهمَّ أَصْحَابُ الجحيمِ}. وأنزل سلوة ومواساة لنبيه صلى

الله عليه وآله وسلم {إِنَّكَ لا تهدَْي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يهدَْي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }.

وبقيت في نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسرةٌ على عمِّه يعرفها منه أصحابه.

وبعد نحو عشر سنين يدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة فاتحًا ويأتيه أهل مكة يبايعونه

على الإسلام، ويأتي أبو بكر بأبيه أبي قحافة؛ ليبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيمدّ

الشيخ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدًا معروقة ناحلة، فيستعبر أبو بكر باكيًا وهو يرى

يد أبيه في يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعجب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

لبكاء صاحبه فيسأله: ((ما لك يا أبا بكر؟)). فيقول: يا رسول الله، لأن تكون يد عمك مكان يده،

ويُسْلم ويقرُّ الله عينك أحب إلي من أن يكون أبي، والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحًا بإسلام

أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قُرَّة عينك. ونحن اليوم تعتلج قلوبنا أسى ولوعة،

ونتمنى أن أبا طالب شهد ذلك اليوم، ورأى ابن أخيه يدخل مكة فاتحًا، ورأى الناس يدخلون في

دين الله أفواجًا، وأن عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرت بإسلامه،

{وَلَكِنَّ الله يهدَْي مَنْ يَشَاءُ}.





أرسل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم سريةً من سراياه العسكرية التي تحمي الجبهة

الشرقية للمدينة النبوية، فظَفِرت برجل من سادات بني حنيفة يقال له: ثُمَامة بن أُثَال.

فلما جيء به إلى المدينة لم يُحبس في زنزانة مغلقة أو ثكنة عسكرية، وإنما رُبط إلى سارية

من سواري المسجد،لتكون أمام عينيه الواجهة الحياتية والعبادية لرسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم والمؤمنين. فخرج إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((ما عندك يا ثُمامة؟)).

إن هذه الكلمة النبوية أبعد ما تكون عن التبكيت أو الإهانة، أو التهديد.. لقد كان متوقَّعًا أن

يسمع ثمامة مباشرة ما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا برسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم يسأله عما عنده؟ فأجاب ثمامة بمنطق السادة ووثوق الأشراف قائلاً :

عندي خير يا محمد. ثم طرح الاحتمالات المتوقَّعة فقال: إن تقتلني، تقتل ذا دم -أي: ذو دم خطير-

وإن تُنعِم، تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل منه ما شئت. فتركه النبي صلى الله

عليه وآله وسلم ولم يحدد له أيًّا من هذه الخيارات، لتشتغل حواسُّه ومداركه في مراقبة النبي

صلى الله عليه وآله وسلم ومن حوله، لعله يستشفُّ مصيره الذي سينتهي إليه.

وكان ثُمامة وهو مربوط إلى ساريته لا يُعامل بما يخدش كرامته، بل كان طعامه مُحيل إليه

من أبيات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنما كان يواسيه في طعامه وشرابه.

ومضى يوم وثمامة مربوط إلى ساريته، يرى تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعظمته

الأخلاقية، وكيف يعيش مع المسلمين وهو إمامهم كأحدهم، يسعهم جميعًا بخلقه وإقبال نفسه.

ويرى صفوف المسلمين وهم يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منظر تعبدي

عظيم، ما رأت عيناه مثله. وسمع ثمامة آيات القرآن يرتِّلها رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم في صلواته.. فكانت كل المشاهد أمام عينيه رسائل نافذة إلى قلبه فلما كان من الغد،

أتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((ما عندك يا ثمامة؟)). قال ثمامة: ما قلت لك!

إن تنعم تُنعم على شاكر. ولم يزد ثمامة على ذلك. فقد أنست نفسه من رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم عدم التشفِّي بالانتقام، وعدم الطمع في المال، ولذلك اختصر جوابه بما يظنُّه

من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛

ليعيش يومًا آخر في مدرسة النبوة؛ ليرى أكثر مما رأى، ويسمع أكثر مما سمع..



فلما كان اليوم الثالث: أتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((ما عندك يا ثُمامة؟)).

قال ثُمامة: عندي ما قلت لك؟! ولم يزد على ذلك شيئًا وإنما اقتصر على هذا الإجمال تفويضًا

إلى جميل خلقه صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

((أطلقوا ثمامة))!! وهكذا حُلَّ رباطه، وأطلق سراحه بعفو نبوي غير مشروط.. بعد أن قضى

ثلاثة أيام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتلأ فيها سمعه ومرآه بمشاهد

النبوة وآيات القرآن، ولذا خرج ثمامة من المسجد بقلب غير القلب الذي دخل به. فانطلق إلى نخل

قريب من المسجد فاغتسل فيه ثم دخل المسجد فوقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدً رسول الله.. يا محمد والله ما كان على

الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ. والله ما كان دين أبغض إليّ

من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك

أحب البلاد إلي. وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة.. فماذا ترى؟!

فبشّره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخير وأشار إليه أن يمضي في عمرته.



فمضى ثمامة إلى مكة فطاف وسعى وأظهر إسلامه مراغ لأهل مكة. فقال له قائل: أصبوت؟

قال ثمامة: لا، ولكن أسلمتُ مع محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا والله لا يأتيكم

من اليمامة حبة حِنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم رجع إلى اليمامة

فمنع قومه -وهو سيدهم- أن يحملوا إلى مكة شيئًا.. فأضرّ ذلك بقريش فكتبوا إلى النبي صلى

الله عليه وآله وسلم يذكرونه بصلة الرحم التي جاء بها ((إنك تأمر بصلة الرحم)). فكتب رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثمامة يأمره أن لُخي بين قومه وبين الحمل إلى مكة.

فعادت حنطة اليمامة وميرتها إلى مكة بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.





هي ليلة من حياة الرسول مرت هادئة رخية كما تمر كثير من ليالي حياته الطيبة المباركة،

رصدتها عين واعية يَقِظة، ثم نقلتها للأُمَّة لحظة بلحظة منذ غروب الشمس وإلى انفلاق

الصبح؛ حتى لكأنما هي أمامنا رَأْي عين. وكان مبتدأها أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

أرسل ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حاجة له، فأتى رسول الله

عشية، فوجده جالسًا في المسجد فلم يستطع أن يكلّمه؛ لما رأى من انشغاله حتى صلى

المغرب، فلما فرغ صلى الله عليه وآله وسلم من صلاة المغرب قام يصلي حتى أُذِن بصلاة

العشاء، فلما فرغ من صلاة العشاء صلَّى في المسجد أربع ركعات، حتى لم يبقَ في

المسجد غيره، ثم انصرف إلى بيته، فوافاه ابن عباس رضي الله عنهما، وأخبره بحاجة أبيه

عمِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

((يا بُني بِت الليلة عندنا)). وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند زوجه ميمونة

خالة ابن عباس، فوافق ذلك مرادًا ورغبة عند ابن عباس رضي الله عنهما، ورغب فيما عرضه

عليه رسول الله، فليس مبيته إلا عند ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعم الرجل

صِنْوُ أبيه، وعند خالته ميمونة والخالة أم، ودخل ابن عباس مع رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم بيته وهو يقول في نفسه: لا أنام الليلة حتى أنظر ما يصنع رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم في صلاة الليل. فعزم على السهر ليطّلع على هدي رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم وسنته في ليله، ومع ذلك قال لخالته -زيادة في الاحتياط-: إذا قام رسول الله صلى

الله عليه وآله وسلم فأيقظيني. وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث مع زوجه

ميمونة ساعة ثم دخل معها في فراشها ورقد، وليس ثمَّ إلا وسادة واحدة نام صلى الله

عليه وآله وسلم وزوجه في طولها ونام الغلام ابن عباس في عرضها.



وبقي يرمق متى يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصلاته، وكيف سيصليها. فلما

كان نصف الليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنظر إلى ابن عباس راقدًا فقال:

((نام الغليم)).ثم جلس يمسح النوم عن وجهه المبارك، ثم رفع بصره إلى السماء ينظر بتفكر في

هدوء الليل وسكونه إلى عظمة الله في خلقه، وهو يقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ

اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ *} حتى أتم العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران.

ثم قام إلى قِربة بالية مُعلَّقة في البيت، فأطلق رباطها، ثم صبَّ منها في إناء عنده فتوضأ منه وضوءًا

خفيفًا سابغًا حسنًا - وكانت الليلة ليلة شتاء باردة- ثم تناول سواكه فاستنَّ به، ثم أخذ بُرْدًا له

حضرميًّا فالتحفه متوشحًا به، ثم شرع في صلاته، كل ذلك وابن عباس يرمقه ويتبع ببصره فعله،

حتى إذا استفتح صلاته قام ابن عباس فجعل يتمطَّى كمن استيقظ من النوم لِتَوِّه؛ كراهية أن يرى

النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يرقبه، ثم توضَّأ ابن عباس كما توضأ رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم، ثم جاء فوقف عن يساره، فتناوله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يده،

فأداره من خلفه فجعله عن يمينه، وجعل صلى الله عليه وآله وسلم يتعاهد الغلام فيمد إليه يده

يضعها على رأسه مرة، ويمسك بشحمة أذنه فيفتلها مرة، قال ابن عباس: فعرفت أنه إنما صنع

ذلك؛ ليؤنسني بيده في ظلمة الليل، ورصد ابن عباس صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في

ليلته تلك، فكان أول ما افتتح به صلاته أن صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى إحدى عشرة ركعة،

فتتامَّت صلاته ثلاثة عشرة ركعة. وكانت صلاة متبتلة مطمئنة، قضى فيها من الليل سبحًا

طويلاً قدره ابن عباس بأنه بقدر ما رقد وهو نحو ثلث الليل.




ووعى ابن عباس استفتاح النبي صلاته بعدما يكبر فكان يقول:

((اللهم لك الحمد أنت قيام السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض

وما فيهن، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، وأنت الحق، وقولك الحق، ووعدك

حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك

أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، أنت ربنا وإليك المصير، رب اغفر لي ما أسررت وما أعلنت،

وما قدمت وما أخرت، أنت إلهي لا إله إلا أنت)). وكان يقول في دعائه في سجوده:

((اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني

نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا،

وأَعْظِم لي نورًا)). حتى إذا قضى صلاته عاد فاضطجع ونام واستغرق في نومه حتى سمع

ابن عباس غطيطه، فلما أذن بلال بالفجر قام فصلى ركعتين خفيفتين

ثم خرج إلى المسجد فصلى بالناس الفجر.

وهكذا تتامَّت ليلة نبوية منورة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقرأ فيها من هدي

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آيات مبينات وسورًا مشرقات.





بُدئت معركة بدر بدرسٍ أخلاقي وخُتمت بدرس أخلاقي، وكان النبي الذي بُعث متمماً لمكارم

الأخلاق يتعاهد تتميمها في ظرف المعركة الاستثنائي.أمّا أول هذه الدروس فكان قبل بداية

المعركة، ونفوس المسلمين مشحونة بمرارة الظلم الذي لقوه من قريش في مكة،

وبالتحفُّز للمواجهة التي أجلبت لها قريش بخيلها وخيلائها، وإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم

يعلن الحماية والخفارة لرجل، هو مشرك من المشركين، ومحارب مع جيشهم، وجاء بسلاحه

من مكة إلى بدر لقتال المسلمين، ومع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

((من لقي أبا البَختري بن هشام فلا يقتله)) .إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلفت إلى أن

هذا الرجل له سابقةٌ أخلاقية وتميّزٌ عن غيره من المشركين في المروءة والنبل، فقد كان في

مكة من أكفِّ المشركين للأذى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و كان له موقفٌ مشهودٌ

مشكور في القيام بنقْض الصحيفة الظالمة التي كُتبت لمقاطعة بني هاشم وحصارهم في

الشِّعْب. فذكر له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه السابقة، وأعلن له الحماية، فلا يُقتل،

وإن كان مشركًا وجاء مقاتلاً .



وثاني الدروس الأخلاقية في مدرسة بدر، كان بعد نهايةالمعركة، عندما قطف المسلمون من ثمار

النصر سبعين أسيرًا، فيهم أشدُّ أعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكثرهم ضراوة في أذيّته:

النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيْطٍ. وكانت نفوس المسلمين لا تزال تستذكر الألم المُمِضّ لظلم

هؤلاء وأذيّتهم في مكة، واستضعافهم لضعفاء المسلمين، وجراءتهم على النبي صلى الله عليه

وآله وسلم،ففي القلوب غيظ، وفي النفوس كمد، وكانت صدور المؤمنين أحوج ما تكون إلى

التشفي بانتقامٍ يُذهب غيظ قلوبهم، وإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى هؤلاء الأسرى

بين يديه ثم يقول: ((لو كان المطعِم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له)).

لقد أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هؤلاء جميعًا كانوا سينالون حريتهم لو أن المطعِم

بن عدي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا محمد دعهم لي!، إذًا لتركهم له النبي

صلى الله عليه وآله وسلم بالرغم من كل سوابقهم الإجرامية، ولكظم كل نوازع التشفِّي والانتقام

منهم،كلُّ ذلك تقديرًا لكلمةٍ يقولها المطعم فيهم،أو شفاعة يشفعها لهم. بقي أن نتذكر أن

المطعِم بن عدي عاش ومات مشركًا، لم يقل يومًا من الدهر: ((ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين))

ولكنه كان صاحب نجدةٍ ومروءة، ومن مروءته جواره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما عاد من

الطائف، فرضخت قريش لذلك، وقالت للمطعم: ((أنت الرجل الذي لا تُْخفَر ذمّتك)) . وكان يجمع

إلى نبله ذلك حكمة وسداد رأي، فقد جمع قريشًا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ثم قال لهم: ((إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم فكونوا أكفّ الناس عنه)) .لقد كان المطعِم مشركًا،

ولكنه مشرك نبيل، فقلده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلمته تلك

وسامًا عظيم في يوم عظيم.





ذاك موعد على فراش الموت حيث المريض المُدَنَّف فتًى يهوديّ في يفاعة سنّه كان يخدم النبي

صلى الله عليه وآله وسلم، فيضع له وضوءه، ويناوله نعله، ويقضي حوائجه، فإذا النبي صلى

الله عليه وآله وسلم يفتقده ثم يأتيه يزوره في مرضه، فيدنو منه ويجلس عند رأسه، ويجلس

أبو الغلام وِجاهه، وإذا النبي الكريم ينظر نظرة المشفق الرحيم إلى فتى يافع، يودع الدنيا ويستقبل

الآخرة، فيهتف به إلى ما هو أحوج إليه في هذه اللحظة، وهو الدين الذي يَلقى به ربه، دعاه إلى

الإسلام وقال له: ((أسلم، قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) . تلقّى الفتى هذا النداء

فإذا هو من محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي خدمه وخَبره وعرف حاله، فعرف أن هذه حال

الأنبياء، وليست حال الجبارين ولا المتقوّلين، ولكنه لا يزال مأسورًا إلى سلطة الأبوة القريبة منه،

فجعل يقلّب طرفه، وينظر إلى أبيه. ينتظر أن يأذن له، وإذا بالنبي يعيد عليه وكأنما يسابق

لحظات الحياة القليلة، فقال له أبوه: أطعْ أبا القاسم، قل ما يقول لك محمد، وإذا كلمات الحق

تذرفِ من شفتي الغلام المجهود: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. أتى بالشهادة

واستكملها، ولكنه استكمل أيضًا البقية القليلة من حياته،فلَفَظ آخر أنفاسه وتُو في ساعته تلك.

وإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من عنده مستبشرًابهداية هذا الغلام وخاتمته الحسنة،

وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار))، ثم أقبل على أصحابه يأمرهم قائلاُ

((صلّوا على أخيكم)).





لم تكن ساعة يخرج فيها أحد، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في هذه الساعة في

نَحْر الظهيرة، وصائفة النهار، واستعار حرارة الشمس، سار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسار

معه أبو هريرة رضي الله عنه لا يدري إلى أين سيذهب في هذه الساعة، وهابه أن يسأله،

فمر بسوق بني قينقاع، ثم جاوزه حتى وصل إلى بيت ابنته فاطمة عليها رضوان الله وسلامه-.

توقف بفناء البيت ولم يدخله، وإنما نادى: ((أين لُكَعُ؟ أين لُكَعُ؟ أين لُكَعُ؟)). وهو نداء تصغير وتمليح

أين الصغير ,أين الصغير-يريد حفيده الحسن رضي الله عنه وسمعت فاطمة رضي الله عنها أباها،

وسمع الحسن جدَّه فبادر إليه، ولكن أمه فاطمة أمسكت به،واحتبسته حتى تهيّئه لمقابلة أبيها

الذي جاء في هذهالساعة لزيارته، فغسّلته وألبسته قلادة من القرنفل يلبسها الصبيان،ثم أطلقته،

فجاء الصبي يشتد مسرعًا إلى جده، فلما بصر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم برك له في

الأرض، ومد يديه، فتجاوب معه الحسن، وهو يعدو، ومد يديه، وألقى بنفسه على الصدر الرؤوف

الرحيم حتى التزما عناقًا، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشم بُنَيَّه ويقبله، ثم قال

صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم إني أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وأَحِبَّ مِنْ بُحيُِّهُ)). ورأى أبو هريرة رضي الله

عنه ما رأى، وسمع ما سمع، وتجاوبت عاطفته مع عاطفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

فقال: فما كان أحد أحبّ إليّ من الحسن بن علي بعدما قال رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم ما قال.









لتحميل الكتاب و تصفحه بصيغة PDF على موقع الميديافير من هنـــآآ

ملاحظة :: تجدون ايقونة التحميل في الاعلى في اقصى اليمين .



فى الختام اتمنى ان الموضوع نال أعجابكم ..~

و ان شاء الله لنا لقاء آخر مع مواضيع اخرى باذن الله..~

لكم مني أطيب التحاياآ , و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك بـ رأيك وأترك خلفك بصمة ..~